يبدو القسم الأكبر من النواب والقياديين العونيين مرتاحاً تماماً لقرار القيادة أخيراً إطلاق صفارة التصعيد التي انتظروها طويلاً. يسترسل أحد نواب تكتل "التغيير والإصلاح" بالتعبير عن مواقف كان يكتمها طوال الفترة الماضية نزولا عند رغبة رئيس التكتل العماد ميشال عون، فيتّهم ومن دون تردد رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري بالانصياع لارادات خارجية... يهدّد ويتوعّد بأنّ ما كان قبل 23 آب لن يكون كما بعده ويؤكّد أن الرضوخ للتمديد الأول والثاني لقائد الجيش العماد جان قهوجي لن يحصل مرة جديدة.
قيادي آخر في "التيار الوطني الحر" جالس الجنرال مطولا بعد اجتماع التكتل، يشدد على أن الاسئلة لا يجب ان توجه اليوم إليهم، باعتبار ان رئيس التيار وزير الخارجيّة جبران باسيل أبدع، برأيه، بتوصيف الحالة وبعرض الوقائع ووضع الأمور بنصابها. "كل الاسئلة التي تدور ببالنا يجب أن توجه للحلفاء وعلى رأسهم حزب الله وحركة أمل وحزب الطاشناق، وللأخصام السياسيين وأبرزهم رئيس الحكومة تمام سلام وتيار المستقبل"، يقول القيادي، ويسأل: "هل هم بصدد أن يكملوا من دوننا؟ وهل يتحمّل الوزراء المسيحيون الذين لا زالوا بكنف هذه الحكومة تبعات تغطية مجلس وزراء تقاطعه الاحزاب المسيحية الثلاث الكبرى؟"
وقد تركت المواقف التي عبّر عنها نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري ووزير السياحة ميشال فرعون، لجهة مطالبتهما بتأجيل الجلسة المرتقبة للحكومة، ارتياحًا كبيرًا لدى العونيين الذين التمسوا بذلك نتائج ايجابية سريعة لقرارهم مقاطعة الجلسة، لكنّهم يشدّدون في الوقت عينه على أنّ الأزمة أكبر من التعيينات، وبأنّه بعد الخطوة التي أقدموا عليها لم يعد مسموحًا التراجع الى الوراء. وهذا ما يعبّر عنه القيادي العوني قائلا: "أساسًا لم يعد هناك خيارات أخرى متاحة أمامنا. ارتأينا اطلاق عملية التصعيد على الناعم باعتبار أنّنا لم نرغب بإثارة مخاوف اللبنانيين. لكن الأقسى مقبل دون أدنى شك في حال لم يكن هناك خطوات كبيرة من شركائنا في الوطن، تكون على مستوى خطورة المرحلة التي نمر بها وتضع حدًّا لضرب مفهوم الميثاقية على حساب المسيحيين وحدهم".
الدعوات الصادرة عن بعض رموز 14 آذار لتأجيل جلسة مجلس الوزراء لم تترك ارتياحا لدى العونيين وحدهم، بل وبشكل خاص لدى حزب الله الذي وجد نفسه محشورًا في الزاوية. فلا هو قادر على المشاركة الفاعلة في جلسة قرر حليفه المسيحي مقاطعتها مهدّدًا بعدم ميثاقيتها، ولا هو مقتنع بوجوب هزّ الكيان الحكومي في هذه المرحلة بالذات وبالتالي قلب الطاولة على رؤوس الجميع بغياب أي أسس تتيح الانطلاق من جديد. وبحسب مصادر وزاريّة متابعة، يبقى خيار تأجيل الجلسة هو الأفضل لكل الفرقاء دون استثناء، كونه يخفف التوتّر القائم ويسهل تمرير تمديد ولاية قائد الجيش بالحد الادنى من الخسائر، ملمحة الى ان قرار تأجيل التسريح بات محسومًا.
وبانتظار تبيان مدى الجديّة العونية هذه المرّة بالسير بالتصعيد حتى خواتيمه رغم كل التمنّيات والضغوط التي ستتعرض لها الرابية من مقرّبين منها، ينبغي الإجابة سريعا عن الأسئلة التالية: هل دخلنا مرحلة "اذا ما كبرت ما بتصغر"؟ والى أي مدى تتحمل البلاد ان تتضخم الأزمة بعد؟ ومن يستطيع ان يستوعب حجم الانفجار متى حصل؟ والأهم، ما الذي يضمن الا يجرّنا الانفجار السياسي الى انفجار أمني يلحقنا بالبركان السوري المشتعل؟